قبل 3 أيام من انعقاد القمة العربية الـ32 على مستوى القادة في جدة، تشهد المدينة السعودية جهود متواصلة لحلحلة الأزمة السودانية والوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مع استمرار المفاوضات بين طرفي النزاع، واللذين تعهدا في اتفاق أُطلق عليه "إعلان جدة"، السماح بوصول المساعدات الإنسانية. وتوصل ممثلون للجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي" قبل أسبوع، إلى إعلان جدة بعد مرور نحو شهر على القتال الذي أسفر عن مقتل أكثر من 750 شخصا ونزوح الآلاف، في إطار وساطة سعودية أميركية وبمشاركة الأمم المتحدة. وبعد أيام من توقيع الاتفاقية، نقلت وكالة أنباء "رويترز" عن دبلوماسي سعودي رفيع المستوى، قوله: إنّ المملكة دعت رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان إلى حضور قمة الجامعة العربية، وهو ما لم يتسنّ لمنصة "المشهد" التأكد بشأنه حتى اللحظة. هل يشارك قائد الجيش؟ المحللون والخبراء الذين تحدثوا مع "المشهد"، انقسموا في ما يتعلق بإمكان حضور قائد الجيش السوداني إلى القمة العربية، حيث يرى فريق منهم أنّ البرهان قد يواجه صعوبة في مغادرة الخرطوم متوجها إلى جدة لحضور القمة العربية، خصوصا مع استمرار المعارك في الميدان، فيما يعتبر فريق آخر أنه قادر على ذلك، وأنها فرصة مناسبة له لعرض وجهة نظره أمام القادة المشاركين والمجتمع الدولي. القيادي في التجمع الاتحادي السوداني والناطق الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير في الخارج عمار حمودة يقول في حديثه مع منصة "المشهد": "ما نراه من تصعيد عسكري ومحاولات كل فريق خلق واقع عسكري لصالحه، يجعل من إمكان مغادرة أيٍّ من الجنرالين السودان مسألة بعيدة الاحتمال". ويوافق هذا الرأي العسكري السابق وخبير القانون الدولي أيمن سلامة، إذ يستبعد خلال حديثه مع منصة "المشهد"، حضور البرهان القمة العربية في جدة على الرغم من قدرته على الخروج من السودان عبر المنافذ البحرية، أو من خلال المطارات العسكرية التي تسيطر عليها القوات المسلحة، "لكن لا يمكنه ترك الميدان والوضع العسكري الآن". لكنّ سلامة عاد ليقول: "إن حدث وسافر البرهان إلى جدة للمشاركة في القمة، فهذا يشير إلى اطمئنان وثقة في الأوضاع الداخلية وسير العمليات العسكرية في صالح الجيش(..) وإن لم يستطع السفر، فهذا سيعكس أيضا الأوضاع العسكرية التي تفرض بقاءه في الخرطوم لقيادة الجيش في هذه المعارك المستعرة والتي سيطول أمدها". ومنذ اليوم الأول من اندلاع المعارك في 15 أبريل، تتنافس القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على إصدار البيانات عبر منصات التواصل الاجتماعي، والتي تؤكد من خلالها السيطرة على المقار العسكرية للطرف الآخر والمناطق الحيوية والحكومية والطرق الرئيسية في المناطق التي تشهد اقتتالا وعلى رأسها العاصمة الخرطوم. وعلى الجانب الأخر، يتوقع المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية الدكتور سالم اليامي خلال حديثه مع منصة "المشهد"، ترؤس قائد الجيش السوداني وفد بلاده إلى قمة جدة، إذ يقول: "من المتوقع حضور الرجل (البرهان) بنسبة كبيرة، وهي فرصة له وللجناح الذي يمثله في الصراع في السودان لإثبات مشروعيته". ويُعدّ حضور البرهان للقمة العربية أمرا بالغ الأهمية بالنسبة للسودان، حسبما يقول المحلل السياسي السعودي الدكتور مبارك آل عاتي في حديثه مع منصة "المشهد"، والذي يضيف: "يجب أن يمثّل السودان في هذه القمة المهمة والمفصلية في تاريخ العمل العربي المشترك، ولكي يعرض الأزمة بكامل حيثياتها وبشكل أوسع أمام القادة العرب". لماذا البرهان وليس حميدتي؟ من المفترض منذ يوم 14 مايو الجاري أن يكون للسودان ممثلون في الاجتماعات التحضيرية لقمة القادة العرب في جدة، والتي ستستمر حتى يوم الأربعاء المقبل، بعقد اجتماع وزراء الخارجية التحضيري قبيل يوم من قمة القادة، لكن حتى الآن لم تشر الخارجية السودانية في بياناتها الصحفية إلى أيّ مشاركة لوفودها في هذه الاجتماعات، على الرغم من البيانات الصحفية المتتالية التي تهاجم قوات الدعم السريع، وتنقل بيانات صحفية حول الاتصالات التي يتلقاها ويجريها البرهان باعتباره رئيس مجلس السيادة الانتقالي. واتفق الخبراء والمحللون في حديثهم مع "المشهد" حول أنّ توجيه الدعوة للفريق أول عبد الفتاح البرهان، إن حدث، يأتي باعتباره الممثل القانون الأول للسودان في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية عقب ثورة 2019 التي أطاحت بنظام الرئيس السابق عمر البشير. وعقب احتجاجات شعبية واسعة أطاحت القوات المسلحة بقيادة وزير الدفاع عوض محمد أحمد بن عوف بالرئيس عمر البشير، وقررت تشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون الدولة بقيادة بن عوف، والذي أعلن بعد يوم واحد من ذلك تنازله عن منصبه وتعيين المفتش العام للجيش حينها الفريق عبد الفتاح البرهان رئيسا للمجلس العسكري. ويُعتبر المحلل السياسي السعودي مبارك آل عاتي، أنّ "دعوة الفريق البرهان للقمة العربية أمر طبيعي، لأنه يقود السودان حاليا وهو لا يزال الممثل المعترف به دوليا وشرعيا كرئيس للنظام". ويضيف آل عاتي: "الفريق أول حميدتي يُعتبر في منصب نائب رئيس المجلس السيادي، لذا وُجهت الدعوة للرئيس وهو من يختار أن يمثّل بلاده(..) حميدتي جزء لا يتجزأ من القضية السودانية، وهو رجل ثانٍ في السودان، ويملك أيضا مفاتيح الحل أو تأزم الأزمة أيضا، وبكل تأكيد دوره مهم وفاعل. وحرص الكثير من الدول العربية على أن يكون هناك اتصال متوازن مع كلا الطرفين، وحتى أنّ المبادرة السعودية التي نتج عنها إعلان جدة انطلقت من هذا المبدأ". ويؤكد هذا خبير القانون الدولي أيمن سلامة قائلا: "البرهان مثّل بلاده في المحافل الدولية كافة(..) كما أنه منذ عام 2019 وهو يصادق على المعاهدات التي يكون السودان طرفا فيها". ويضيف سلامة: "القانون الدولي في ما يتعلق بالشقّ الإنساني يُطبق بالتساوي على طرفي النزاع بالسودان، حيث يشجع على الانخراط في المفاوضات التي تحمي المدنيين والأبرياء، لكنه لا يضفي أيّ شرعية على أيّ طرف من أطراف النزاع غير معترف به دوليا كممثل لهذه الدولة". من جانبه يستبعد سالم اليامي "حضور الفريق أول محمد حمدان دقلو ولو حتى بصفة غير رسمية إلى جدة، وهذا قد يعرقل حضور البرهان أيضا ويضيّع فرصة طرح الأزمة على طاولة البحث العربي.. وقد نشهد حضور ممثل عن حميدتي الذي هو موجود بالفعل خلال المشاورات الجارية في جدة بين طرفي النزاع". هل يُسهم في حل الأزمة؟ يأمل القيادي بالتجمع الاتحادي السوداني والناطق باسم قوى الحرية والتغيير المقيم في لندن عمار حمودة، في حديثه مع "المشهد"، أن تتوقف الحرب فورا وأن يدخل أطراف النزاع في مناقشات سياسية تتضمن حضور المدنيين، حتى يمكن الوصول إلى اتفاق بشأن انتخابات عامة، داعيا الدول العربية وغيرها من القوى الإقليمية إلى المساعدة على وقف الاقتتال. ويعتبر المحللون والخبراء أن يكون ملف الأزمة السودانية من أبرز الملفات التي تبحثها القمة العربية في جدة، إذ يقول المحلل السياسي المستشار السابق في وزارة الخارجية السعودية: "حضور البرهان إلى جانب هذا الكمّ من القيادات العربية وسط المناخ العربي الإيجابي، في تقديرنا سيكون له دور كبير في التوجه نحو حل حقيقي يجنّب السودان وأهله المزيد من الخسائر في الأرواح والاضطرابات الأمنية". ويقول سالم اليامي: "لا حل من دون توافق بين الطرفين، لكن بطبيعة الحال هناك الطرف الأقوى والأكثر رسمية وهو البرهان. وهناك الطرف المؤثر والذي غيابه عن القمة العربية قد يعطل أيضا أيّ حلول حقيقة (..) الوضع معقد وعلى العرب التعاطي مع الأمر بكل حكمة وحساسية في آنٍ واحد". وتعليقا على هذا، يؤكد القيادي في التجمع الاتحادي السوداني، أنّ جلوس الفريق أول البرهان والفريق أول حميدتي إلى طاولة مفاوضات واحدة، قد يسهم في تسريع حل الأزمة السودانية، قائلا: "وجود قادة أطراف الأزمة والاقتتال في مكان واحد، وإجراء مفاوضات مباشرة، قد يقلّص الكثير من الوقت بالنسبة للسودانيين". وعلى الرغم من الاتهامات المتبادلة وتعهدهم بملاحقة كليهما الآخر، لم يُبدِ قادة طرفي النزاع في السودان أيّ اعتراضات مباشرة على إجراء مفاوضات من أجل الوصول إلى حلول للأزمة الراهنة، إذ قال حميدتي في مقابلة سابقة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، إنه مستعد للتفاوض مع البرهان، فيما أعلن الأخير انخراط ممثلين عنه في محادثات جدة قبل أسابيع، والتي افضت إلى اتفاق إنساني في المقام الأول. (المشهد)